اذا الدولة مش عاجبتك ما تصوت، بس اذا الأحزاب العربية مش عاجبتك صوت ورقة بيضاء - صندوق الأقتراع أمكانيات تأثير ووسيلة أحتجاج


قد يكون الوقت ما زال باكرا على الإنتخابات لكن عملية التأثير بواسطة الإنتخابات تبدأ بوقت أبكر بكثير من يوم الإنتخابات والورقة البيضاء هي أمكانية ورادة لم تأخذ بالحسبان بجدية من قبل.

عادة يشعر الناخب العربي أن أمره محسوم. البعض يصوتون لأحزاب صهيونية والأغلب يصوتون لأحزاب عربية وقلة يمتنعون عن التصويت. في الثلاث حالات النتيجة متوقعة وبشكل أو بأخر ثابتة والشعور العام للناخب العربي أن تأثيره جدا هامشي وأمكانيات التغيير معدومة. لكن في الوقت الذي تنعدم فيه أمكانيات التأثير على المستوى العام فعلى مستوى الأحزاب العربية الورقة البيضاء باستطاعتها أن تكون آلية تغيير وقد تحوي في طياتها أمكانيات لللتأثير.

الأنتخابات هي حدث مهم للأحزاب العربية، فهي تحث الأحزاب على ترتيب صفوفها ورص كوادرها للوصول الى الناخب العربي وحثه على المشاركة بالأنتخابات والحصول على صوته. بعضهم يقولون "مش مهم ايش أطلع صوت بس ما تصوت أحزاب صهيونية"، وبعضهم يقولون "لا تصوت أبداً وقاطع المؤسسة الصهيونية والبرلمان الصهيوني وعبر عن أحتجاجك وعدم تماهيك مع الدولة". بعضهم يقولون "ما فيك تقاطع الأنتخابات وتقصي حالك حتى لو صّوت لأحزاب صهيونية"، وبعضهم قال في الماضي "وجود الأحزاب العربية بالكنيست مهم جدا لكي يكونو كتلة حاسمة تمنع سن القوانين العنصرية..." وأخرون يقولون "الكنيست منصة سياسية ما لازم نتنازل عنها..." وبيبقى السؤال مفتوح منصة سياسية لمن؟ لماذا؟ وبأي هدف؟

بشكل عام يوجد إستياء كبير من الوضع العام لكن بالأضافة يوجد إستياء من الأحزاب العربية. بالرغم من الوضع السيئ الناخب العربي ما زال يشارك بالإنتخابات بنسبة كبيرة ربما متمسكاً بأمل التغيير وربما تخوفا من خسارة فادحة لا ينوبه عليها غير الندم، وفي نهاية المطاف الأحزاب هي هي ونتائج الأنتخابات هي هي والصهيونية والعنصرية مع كل يوم بتسؤ وبتزيد.

الإنتخابات ممكن تكون فرصة للتغيير على المستويين، المستوى العام (الميؤس منه) وعلى مستوى الشارع العربي (اللي لحد اليوم ولا مرة جربناه). الأحزاب الصهيونية تتعامل مع الناخب العربي كورقة محسومة ومفهومة ضمناً، وكذلك للأمر بالنسبة للاحزاب العربية فهم أيضا يتعاملون مع الناخب العربي كناخب مفهوم ضمنا وأمره محسوم... ما عنده كثير خيارات... كل ما يتطلب الأمر هو ان تقوم الكوادر الحزبية بشد حيلها والنتائج متوقعة ومعروفة مسبقاً، ثلاثة ثلاثة اتنين والطيبي!!!

بعكس الأحزاب الصهيونية التي لا يهزها وجود الناخب العربي أو عدمه فأن الأحزاب العربية تقف كافة على الحافة، ان لم يصوت بعض الآف من العرب قد يسقط بعضها، وأن صوتوا ورقة بيضاء ستسقط جميعها. ليس الهدف أسقاط الأحزاب العربية لكن وضوح الصورة وقوانيين اللعبة الإنتخابية سيمكن الناخب العربي والأحزاب العربية من صياغة جديدة للمواقف والإختيارات. قد تستطيع الورقة البيضاء أحياء صوت الناخب العربي وأعطائه قيمة فعلية لم يحظى بها من قبل بالأضافة الى توفير الفرص للتأثيرعلى مجرى الأمور والأحداث.

ما بين الأمتناع عن التصويت والتصويت ورقة بيضاء يوجد مستويين من السياسة والمساومة ان أردتم ويجب التمييز بينهما. المستوى الأول وهو مستوى علاقتنا كمواطنين عرب فلسطينيين مع الدولة، والمستوى الثاني هو علاقتنا مع الاحزاب العربية والقيادات السياسية العربية. ما أطرحه هنا ليس مساومة مع الدولة فلا مساومة مع الصهيونية انما مساومة مع الأحزاب العربية والقيادة السياسية العربية بواسطة الإنتخابات العامة. أذا عبر الأمتناع عن الإنتخابات عن أحتجاج أمام الدولة، فان التصويت بورقة بيضاء لا لُبس فيه ويعبر عن أحتجاج أمام الأحزاب العربية.

هناك عدة أمور يستاء منها الناخب العربي في الأحزاب العربية عامة وخاصة، فعلى المستوى العام يوجد أستياء من عدم الوصول الى تفاهم ما بين الأحزاب المختلفة حول تكتيك الحزب الواحد أو حتى أتفاق بالنسبة لفائض الأصوات. بالأضافة الى ذلك يوجد أستياء من كافة الأحزاب على حد سواء حيث ان تركيبتها مبنية على اُسس طائفية أو عائلية. على المستوى الخاص هناك أستياء من قرارات مخيبة للآمال مثل تنازل بعضهم عن شخصيات حزبية في مواقع مرموقة لصالح مغازلات مع تيارات لا يتماها معها أعضاء الحزب. أو وضع العراقيل أمام النساء النشيطات في الحزب فتنعدم فرص أنتخابهم لصالح حسابات حزبية داخلية. بالأضافة هناك أستياء من مواقف حزب في أمر معين او التباس في مواقفه وعدم وضوحها في مواضيع لا يجوز فيها الالتباس أو عدم الوضوح... ومن هذة الأمور مثلاً هي أتاحة رفع صور بشار والتهليل له في المظاهرات أو المناسبات الحزبية تحت ذريعة الديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي والتناسي بأنه طبيب عيون واصل للحكم بالوراثه بطشه في أبناء شعبه ما قبل الثورة وخلالها لا يسمح لنا بان تغفل أعيننا عن جرائمه حتى وأن أجمعنا على معارضة التدخل الأجنبي، معارضة الثورة المسلحة والحث على الأستجابة لمطالب الشعب والتغيير والأصلاح.

الأمور التي نستاء منها من الأحزاب والقيادة السياسية العربية هي كثيرة وأكتفي هنا بهذة الأمثلة واترك الباقي للقراء. المشكلة تكمن بأن الناخب العربي يعتقد أن لا بديل له غير الخيار بين السيئ والأسوأ، فاذ لم يكن هذا الحزب فذاك وفي نهاية الأمر كل واحد يختار ان يرجح كفة الحزب المقرب له، وكل إنتخابات على ذات المنوال.

من أسبوعين تقريبا كان لي حديث مع رفيق، بعكسي هو نشيط وملتزم بحزب معين، في سياق الكلام أعترض حديثي بقوله أن المواقف الغير واضحة ليست قصراً على حزبه فقط أنما على كافة الأحزاب، والغمغمة وعدم الوضوح وأزدواجية المواقف النابعة عن انقسامات داخلية غير محسومة لا تقتصر على الثورة السورية فقط أنما أيضا على حراك الشارع الأسرائيلي بما يحلو لي بتسميته "مخيم روتشيلد الصيفي" وعلى موضوع المقاطعة وأمور أخرى أيضاً. وهنا لا يسعني غير التساؤل هل تحولت الغمغمة عدم الوضوح وأزدواجية المواقف الى تكتيك في هذة الأحزاب؟!! هل فعلا هذة الأحزاب عاجزة عن الوصول الى موقف موحد واضح وصريح. واذا كان الأمر كذلك فأين الشارع العربي من هذة الغمغمة وعدم الوضوح؟!!! قد يعتقد البعض انه من الممكن أن تكون هذة الغمغمة وعدم الوضوح هي أنعكاس لغمغمة الشارع العربي وعدم وضوحه. الا أنني أعتقد عكس ذلك، لكن في الوضع الراهن لا توجد أمكانية فعلية لسماع الصوت النقي لهذا الشارع او آلية للتعبير عنه. والمشكلة الأكبر هي أن التعامل مع هذا الشارع هو تعامل سطحي جداً فيه الكثير من الأستخفاف بقدرة هذا الشارع وبآرائه.

أحدى التحديات الكبرى أمام أمكانيات التأثير والتغيير هو أفيون اللابديل، فهو المبدأ الذي يوجه الناخب العربي في أختياره وكذلك الأحزاب العربية في التعامل معه. لا بديل سوى المشاركة بالإنتخابات ولا بديل أمام المؤسسة الصهيونية غير الأمتناع عن أنتخاب أحزاب صهيونية وترجيح كفة الأحزاب العربية، ولا بديل أمام الأحزاب الأخرى سوى التصويت لحزب "اللا بديل" حتى لو مواقفه لا تعبرعن أهواء الناخب وأراداته. مبدأ الا بديل يضع الأحزاب العربية في حاله من الخمول وعدم الأكتراث حيال آراء الناخب والشارع... فبالنسبة لهم هو مفهوم ضمنا وخياراته محدودة. لكن حسب رأيي خيارات الناخب العربي لها أمكانيات أكثر مما يحلو للأحزاب التسليم به. فأذا فعلاً ما عندك بديل ولا تريد ان تصوت للحزب الخصم الذي لا تتماهى وارائه صوت ورقة بيضاء، ربما بمقدرة الورقة البيضاء حث الأحزاب العربية للخروج من خمولها السياسي والأكتراث بمصلحة واهواء الشارع.

للخلاصة، بشكل عام تنعدم أمكانية تاثير الناخب العربي على مجرى الأمور بالأحزاب الصهيونية وبالإنتخابات الأسرائيلية عامة، لكن هذة الامكانية موجودة بالنسبة للأحزاب العربية. يمكن للناخب العربي أن يحث الأحزاب على تغيير مسارها بواسطة الورقة البيضاء وسأحاول هنا الوقوف على ميكانيكية عمل الورقة البيضاء لتوضيحها.

أولاً يجب التمييز بين الأمتناع عن التصويت أو التصويت ورقة بيضاء فالفرق شاسع بينهما. عدم التصويت أبدا يخرج الناخب الممتنع من الحسابات الانتخابية ونصيب الأحزاب تكون بحسب عدد الأصوات التي حصل عليها الحزب من مجمل الأصوات العام، أذا أمتنع الناخب العربي عن التصويت فسيرجح كفة الأحزاب الصهيونية ويقلل من حصة الأحزاب العربية. الأقتراع بواسطة الورقة البيضاء يدخل صوت الناخب العربي بمجمل أصوات الناخبين لكن أي من الأحزاب لا يحظى بصوته فتكون النتيجة المباشرة سقوط الأحزاب الصغيرة وزيادة حصة الأحزاب المتبقية.

الأحزاب العربية تريد المشاركة في الأنتخابات ويهمها الوصول الى البرلمان. الورقة البيضاء تضع بين أيدي الناخب العربي فرصة للمساومة أمام هذة الأحزاب وربما الضغط عليها لتعديل مواقفها بشكل يتماهى ومواقفه، فأما تتفق هذة الأحزاب وخياراته وتحاول الوصول الى مواقف وقرارات تتلائم مع تطلاعاته وتجيب على أحتياجاته واما ان يقوم الشارع باسقاط هذة الأحزاب.

وللنهاية الإنتخابات لا تقتصر فقط على الوصول الى الكنيست، ويوجد توقعات لدور أكبر للاحزاب العربية وقد تكون الإنتخابات فعلا فرصة حقيقية للتأثير على مجرى الأمور السياسية على مستوى الشارع العربي والأحزاب العربية والقيادات السياسية العربية. فأمتناع الناخب العربي عن التصويت يضعه خارج اللعبة لكن أختيار الورقة البيضاء يسقط الأحزاب العربية القائمة وقد يخط حروف ورقته لدورة الإنتخابات التالية.


فأن ما عجبك وما عندك بديل صوت ورقة بيضاء لأنه بأمكانك خلق البديل.

------

حقوق النشر وفقا لحقوق المشاع الأبداعي - أستعمال المواد مجّانية، لكن يتوجّب نسبة النصوص الى المدونة والكاتبة، نسرين مزاوي. يُحظر نشر العمل في مواقع تجارية أو استخدامه لأي غاية تجارية ويُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص.


نسرين مزاوي – ناشطة نسوية، باحثة ومستشارة بيئية. حاصلة على الباكلوريوس في علم الأحياء والماجستير في الإدارة البيئية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق